الناقد في تصوري الشخصي طبعًا، يكتب أولًا وأساسًا لجمهور السينما لكي يساعده في التعمّق في فهم الفيلم السينمائي، ولا يكتفي بالنظرة السطحية الانطباعية السريعة في الحكم على الأفلام.
ولستُ من أنصار أن الناقد وسيط بين الفيلم وصانع الفيلم، بل يجوز القول إنه وسيط بين الفيلم والجمهور، وإن أراد صانع الفيلم أن يستفيد من النقد ويتعلم شيئًا لا يعرفه، أو حتى لم يكن واعيًا به وهو يصوّر فيلمه، فلا بأس، لكن نحن لا نكتب لصنّاع الأفلام ولسنا بمرشدين لهم ولا مصوّبين، والناقد أيضًا ليس ميكانيكيًا، يصلح الأفلام أو يقوم برصد الأخطاء ووصف طريقة علاجها، فالتقنية ليست وظيفة الناقد لكن الأهم هو تأثير استخدام التقنية.. وليختلف معي من يريد طبعًا، فهناك من قد يرى عكس ما أراه.
أنت عاصرت بيئات مختلفة فكنت في مصر أول الأمر، والآن في بيئة مختلفة.. فما الفارق في الصناعة عموما، وفي النقد خاصة؟ هل يهتم صناع الأفلام في الغرب بالنقد؟
الفارق كبير جدًا. ليس في الصناعة فقط، بل أساسًا في الطموح. فالمشكلة أن طموحات مخرجي الأفلام في مصر أصبحت تتركز في صياغة أعمال إما منقولة عن الأفلام الأمريكية الشائعة، أو تعبر عن مواضع صغيرة محدودة جدًا، عند صناع السينما المستقلة.
يمكنك مثلًا أن تدرك الفرق الكبير بين أي عمل من أعمال السينما المستقلة بما فيها الأفلام الجيدة التي أعجبتني كثيرًا شخصيًا وكتبت عنها وأشدت بمستواها، وبين فيلم مثل «البوسطجي» أو «شيء من الخوف» أو «الأرض»، أو «عودة الابن الضال» أو «الحب فوق هضبة الهرم». فهذه أفلام كبيرة ليس فقط بالمعنى الإنتاجي بل بمعنى الطموح الفكري والفني.
صناع الأفلام في الغرب يهتمون بالنقد قطعًا بدليل ازدهار المطبوعات السينمائية المتخصصة والمواقع الكثيرة وصدور أعداد كبيرة من الكتب سنويًا، وهو ما لا يمكن قياسه بما لدينا في مصر التي يتعين عليك أن تناضل من أجل إصدار كتاب، وبعد صدوره لا يجد الكتاب سوى حفنة محدودة تشتريه وربما تقرأ أو لا تقرأ.
والسبب يرجع دون شك إلى المناخ الثقافي العام الذي لا يرى في السينما سوى مظاهرها البراقة السطحية: النجوم والملابس الجريئة والسجاد الأحمر والفرقعات الإعلامية. وعليك أن تتأمل في المشهد الإعلامي وكيف يتعامل مع السينما والأفلام.
إنهم يعتبرون صدور أي فيلم مصري جديد إنجازًا خطيرًا يستحق إقامة حفل كبير في الاستوديو، يدعون إليه نجوم الفيلم ومخرجه للحديث والدعاية والترويج الذي تشارك فيه عادة المذيعة أو المذيع، بالثناء والمديح من دون حتى أن تكون قد شاهدت الفيلم، ويحظر وجود النقاد الجادين الذين يمكنهم مناقشة الفيلم، بل يأتون بالمروجين من صحافة المنوعات، وهم جزء من صناعة السينما لا ثقافة السينما!
أنا في الأساس صانع أفلام، ولاحظت للأسف الشديد أن صناع السينما الشباب من جيلي لا يعرفون النقد، والأغلب غير مهتم بالنقد الكتابي، بينما يتابعون النقد المرئي.. فهل ترى أن زمن المقالات المكتوبة انتهى؟
لا أظن أن زمن النقد المكتوب قد انتهى، لقد تأثر دون شك بما ترصده من انتشار الفيديوهات التي تجذب الكثيرين بسبب اللغة المستخدمة فيها، وهي لغة سوقية في معظمها، وانطباعية مباشرة أو ساخرة، تعبّر عن قطاع كبير من الجمهور غير المثقف حتى عندما تتناول أعمالًا سينمائية مرموقة من سينما العالم، فهي تتناولها في استهتار وتعجّل.
المثقف الباحث عن المعرفة يهتم قطعًا بقراءة النقد الجاد ولا يكترث للأحاديث الشفوية المصوّرة. لكن طبعًا هناك بعض الاستثناءات في ذلك. فهناك قلّة قليلة جدًا ممن يقدّمون فِقرات فيديو مصوّرة أو بودكاست، يتعاملون بقدر من الجدية مع المادة التي تقدّمها وتدعمها بالصور. النقد الإلكتروني انتقال طبيعي فرضته الميديا الجديدة، لكنه يمكن أيضًا أن يلعب دورًا جيدًا جدًا في ترسيخ النقد الجاد. لكن أين هم النقاد الجادون وكم يبلغ عددهم؟
هناك جدل دائم لا، ولن ينتهي حول وظيفة ودور السينما.. إذا أمكن أن تحدثنا عن دور السينما؟ وأثرها؟
السينما وسيلة للتعبير الفني عن رؤية المبدع، وليست بديلًا عن البيانات السياسية والاجتماعية. ورؤية فنان السينما الحقيقية عادة ما تتلامس مع الجمهور وتجعل المشاهدين يخرجون وقد عاشوا تجربة في المتعة والمعرفة والتأمل.
السينما ليست لها وظيفة اجتماعية تربوية مباشرة، أو أنني أرفض أن تنحصر في هذا الدور، فالفنان السينمائي ليس مصلحًا اجتماعيًا ولا زعيمًا سياسيًا، ومن يتقمص مثل هذا الدور يفشل ويسقط.
أود دائمًا أن أتصوّر أن الفيلم مثل الرواية والقصيدة واللوحة، لذا فأنا ما زلت من المتحيزين لتيار سينما المؤلف وليس سينما الصنايعي منفّذ الأفلام. ولعل كتبي التي أصدرتها عن أعمال عدد من المخرجين تشهد على ذلك. ومن هذه الكتب مثلًا كتابي عن سكورسيزي، فهو يعمل في إطار هوليوود، وهو يمتلك الصنعة والتقنية والمهارة الحرفية، لكنه فنان سينما ومخرج مؤلف يعبّر عن رؤية للعالم تتبدى في جميع أفلامه.
هل ترتبط قوة النقد وتطوره بقوة الأعمال الفنية وتطورها أيضًا؟ ونقول إن المستوى المتواضع للسينما المصرية ساهم أو كان سببًا في تراجع النقد؟ أم أن العملية النقدية منفصلة بذاتها، ويمكن أن يكون النقد عاليًا في ظل بيئة متواضعة؟
لا شك أن النقد يرتبط بمستوى ما يظهر من أفلام. بدليل أننا نجد الكثير من الأفلام المتوسطة الجودة تلقى اهتمامًا بل وإشادة نقدية كبيرة من جانب المثقفين في مصر، لمجرد أنها تختلف عن السينما السائدة (اختلافًا نسبيًا)، وهذه النسبية هي التي تقتل النقد وتتدنى بمستوى السينما، فأنت تصبح على استعداد دائمًا لأن تقول مثلًا: لا بأس.. هو عمل متواضع يخلو من الطموح الكبير، لكنه أفضل من أفلام أخرى كثيرة ظهرت هذا العام.. أو أنه يقدّم جرعة أكبر من النقد السياسي.
والمشكلة أننا بسبب غياب الحريات السياسية عموما أصبحنا ننتظر من الفيلم، بل ومن كل أشكال التعبير، أن تلعب دورًا بديلًا لدور أحزاب المعارضة.. فأصبح هجاء السلطة يجعل الفيلم عظيمًا، لكن لو تأملته وقمت بتفكيك عناصره لوجدته عملًا متواضعًا ينتمي إلى نفس التركيبة السينمائية المتهالكة، بل وقد يعبّر أيضًا عن نوع من السخرية والتهكم من الجمهور نفسه، أي من الذين يهللون له لأنه فَرْقَع جملتين على لسان البطل في التعبير عن الغضب من السلطة. ومثالي على ذلك فيلم «الإرهاب والكباب» مثلًا. ويمكنك أن تراجع مقالي الذي نشرته عنه عند ظهوره.
ولماذا في رأيك النقد السينمائي في مصر، والعرب بشكل عام، هامشي، ولا ينال حقه من الاهتمام؟
السبب الأساسي يعود إلى غياب المناخ الثقافي الحقيقي الذي يتمتع بالحرية، وهو الذي يكفل ظهور النقد والنقاد. والسبب الثاني يرجع إلى جهل القائمين على وسائل الإعلام والصحافة بدور النقد السينمائي، فهم يعتبرون تلخيص قصص الأفلام نقدًا، ولا يميلون لنشر مقالات عميقة تحليلية قد تغضب أصحاب الأفلام، كما يحجبون أي برامج سينمائية جادة، وكل البرامج التي ظهرت في كل القنوات (وأنا هنا أقصد التعميم) هي برامج منوعات تروّج للأفلام الأمريكية التجارية الشعبية فقط.
وكلها تقدمها مذيعات حسناوات مغريات، واهتمامها الأساسي إجراء المقابلات مع النجوم واستعراض الفساتين وحضور الأوسكار والسير فوق السجّاد الأحمر. والسبب الأشمل والأكبر بالطبع هو غياب مفهوم النقد من الأساس، فهم يعتبرونه شتيمة وهجومًا إن كان بالسلب، أو مديحًا إن كان بالإيجاب.
وربما تقابل مخرجًا ما تكون قد نشرت عن فيلمه دراسة تحليلية جادة جدًا تتضمن بعض الملاحظات الجوهرية السلبية، فتجده يقول لك: أنت هاجمت فيلمي لا نقدت فيلمي. وسوف تفشل في إقناعه بأنك لا تهاجم الأفلام بل تحلل الأفلام من داخلها. وهذا نتيجة الجهل بدور النقد من الأساس في المجتمع وفي جميع المجالات وليس في السينما فقط.
كنتَ شاهدًا على أجيال مختلفة في صناعة الأفلام في مصر.. فما تراه قد تطوّر للأفضل، وما تدهور للأسوأ؟ وما رأيك في صناعة الأفلام عامة في مصر حاليًا؟ وهل التقدم الذي تحرزه بعض الأعمال بمشاركة أو الفوز في المهرجانات العالمية يُحسب للصنّاع؟ رغم أن هذه النوعية من الأفلام لا تلاقي إعجاب الجمهور العام؟
هذا سؤال مركب متعدد الأوجه. ما أراه تطوّر للأفضل أن التقنية تقدمت. لكن المشكلة أن الطموح تراجع كما أوضحت من قبل، والأفلام "الصغيرة" التي تفوز في المهرجانات أصبحت تحجب الطموح أكثر وتدفع المخرجين الجدد إلى البحث عن مواضيع كئيبة تقدم النماذج أو القوالب النمطية الثابتة التي يُغرم بها المسؤولون عن المهرجانات، بحكم نظرتهم الخاصة المقولبة إلى بلادنا.
لا أقول النظرة الاستشراقية تحديدًا، بل النظرة المدفوعة بالاهتمام بنا من حيث الواقع السياسي والاجتماعي. انظر مثلًا إلى كل ما كُتب من مقالات نقدية في الغرب عن فيلم «عمارة يعقوبيان»، فلا أحد تناول الفيلم أبدًا من الناحية الجمالية أو تعامل معه باعتباره عملًا فنيًا، بل كلها تناولت المغزى السياسي–الاجتماعي فقط لا غير، أي تعاملت معه كمضمون ورسالة، لا كعمل إبداعي. وهو ما ينطبق على كثير من الحالات.
وأتذكر أنه عندما صنع المخرج الجزائري مرزاق علواش فيلمه «رجل النوافذ» رفضوا الفيلم رفضًا تامًا لأنه كان يصوّر رجلًا قرر أن ينعزل عن المجتمع بعد انتصار الثورة، وبعد أن رأى أن الثورة انتهت في قبضة الانتهازيين، وأخذ يراقب الناس من وراء النوافذ المغلقة. وقد قيل له: من أنت أيها الجزائري حتى تصنع فيلمًا نفسيًا مثل أعمال برجمان، اهتم بسينما الصحراء وسينما الفولكلور، أو في أفضل الأحوال بسينما الواقع الاجتماعي مثل فيلمه الأول «عمر قتلاتو» الذي امتدحوه كثيرًا لأنهم رأوا فيه ما يشبه أفلام الواقعية الجديدة.
وهم دائمًا يقيسون الأفلام طبقًا لما أسميه المركزية الثقافية الأوروبية، يحاولون العثور فيها على شيء ما من شكسبير أو فيلليني أو الواقعية الجديدة.. وغير ذلك. فهم الأصل، ونحن الصورة، لكن المخرجين العرب يفرحون بالتبني الأبوي من جانب نقاد الغرب، ولو كتبت أنت أعظم كتاباتك عن فيلم مصري مثلًا، فلن يكترث له مخرجه بقدر ما يكترث لقطعة صغيرة انطباعية سريعة تنشرها مجلة «فارايتي» مثلًا... (دي فارايتي يا بني كتبت عني.. عايز إيه أكتر من كده.. أنا عديت خلاص؟)!!
هل لنا أن نعرف منهج الأستاذ أمير العمري في نقد الأفلام؟
لا أعرف. لست مهتمًا بحصر نفسي في منهج معين. أنا أستفيد من جميع المناهج. وقد يوحي لك بناء فيلم ما باتباع بعض قواعد منهج معين، وهو ما فعلته مثلًا عند تناولي لأعمال المخرج الأمريكي تارانتينو في كتابي عنه، فقد جاء تحليلي لأفلامه استنادًا إلى نقد ما بعد الحداثة. وقد أتعامل من منهج التحليل النفسي عندما أتناول فيلمًا مثل «جوليتا والأرواح» لفيلليني، أو «شاتر آيلاند» لسكورسيزي.
وعموما أنا أميل إلى النقد الجمالي الذي يهتم بجماليات الفيلم، وهي غير تقنيات الفيلم، أي توظيف التقنية: سياق السرد والتصوير والمونتاج وغير ذلك لإحداث التأثير الدرامي أو النفسي.. ومدى نجاح الفيلم في ذلك. ولعلك تجد نموذجًا على هذا النقد الجمالي في دراستي لفيلم "أشياء بائسة" Poor Things للمخرج المبدع يورغوس لانثيموس.
كما أن هناك أجيالًا من صناع الأفلام هناك أيضًا أجيال من النقاد، هل من الممكن رسم خريطة للنقاد قديمًا، وحتى الآن؟
في الماضي كانت هناك ما يمكنني وصفه بالحركة النقدية التي ظهرت في أواخر الستينات، هذه الحركة النقدية كانت تتفق على هدف واحد هو ضرورة خلق السينما الجديدة. ولم يكن هذا في مصر فقط، بل كانت الحركة تشمل نقادًا وسينمائيين (العنصران معًا كان يجمعهم هدف واحد) في مصر وسورية والجزائر والمغرب وتونس ولبنان وفلسطين أو في المهجر.
ومن قلب هذه الحركة ظهرت السينما الجديدة في العالم العربي وظهر المخرجون الجدد، الذين يمتلكون طموحًا فنيًا عاليًا. ولكن هذه الحركة خبت فيما بعد، بعد أن تعرضت للقمع ومع طغيان الثقافة الاستهلاكية وتخلي الدولة عن دورها.
واليوم هناك بعض النقاد هنا وهناك، لكنهم جزر معزولة، وقد أصبح معظمهم لا يهتم كثيرًا بالنقد بقدر اهتمامه بالعمل في برمجة الأفلام أو الترويج للمهرجانات السينمائية، لأنها تدفع أكثر كثيرًا مما يمكن الحصول عليه من النقد، فالنقد أي المال، حل محل النقد أي الثقافة السينمائية. وهي محنة حقيقية طبعًا.
أنا شخصيًا يمكنني القول بكل ثقة، إنني عندما توليت إدارة ورئاسة مهرجانات في مصر لم أتخلَّ يومًا واحدًا عن ممارسة النقد. وهو ما زلت أفعله حتى اليوم، وتأسيسي واستمراري في إصدار وتحرير موقع «عين على السينما» هو أبرز دليل على إصراري على مواصلة ما بدأتُه قبل خمسين سنة، رغم كل المعوقات وغياب الدعم المالي، ومشاكل المنافسة مع مواقع أخرى ممولة جيدًا تخطف منك من يكتبون لك بحماس في البداية ثم سرعان ما يهجرونك لأنك لا تملك أوراق النقد.
هذا الموقع أتحمل وحدي كل تكاليف إصداره وبقائه لأكثر من 14 عامًا، وأنفق من وقتي وجهدي الكثير من أجل استمراره وتزويده بالمقالات بل والتغطيات المباشرة من أكبر مهرجانات العالم، ومن دون أن أنتظر أي مقابل أو ربح.
فهل هناك مؤسسة سينمائية في مصر مثلًا أو وزارة ثقافة أو جهة تهتم بدعم السينما، عرضت دعم هذا الموقع الذي أسسته من أجل هدف وحيد هو الحرية.. أي الكتابة دون سقف ودون رقابة وضغوط وقيود على المساحة وعلى ما ينشر وما لا ينشر؟
هل يمكننا تقسيم النقاد على مدار السنوات الماضية والحالية إلى مراحل؟ ومن هم أبرز النقاد في مصر؟ وعالميًا؟
لست أنا الذي يمكنه تحديد ذلك.. ولا أحب أن أتورط في التقسيم أو التقييم.
هل الكتابة النقدية عن الأفلام القديمة مهمة، لها أثر– سواء العربية أو العالمية– أم أنها من البكاء على الأطلال، وليس من ورائها فائدة؟
الكتابة عن الكلاسيكيات أساسية ومهمة جدًا، فمن دون معرفة تاريخ السينما وكيف تطور لا يمكن أن يوجد نقد أو نقاد. ولكني ألاحظ حزينًا إهمال هذا الجانب كثيرًا بل رأيت من يقول إنه لا يشاهد الأفلام الأقدم من عصره إطلاقًا، ورأيت من يكتب بكل جرأة: من هو فيلليني هذا؟ هو مخرج ممل، وبرجمان مخرج لا أفهم شيئًا من أفلامه، وجودار معقد.. وكل هذا نتيجة الجهل وغياب البحث والشغف والدأب، وليس عيبًا في هؤلاء الذين صنعوا السينما.
ومشكلة مواقع التواصل أنها جعلت كل الناس نقادًا كما يقول رونالد ماكدونالد في كتابه «موت الناقد»، وهو – على العكس مما يعتقد الذين لم يقرؤوه – دفاع عن الناقد والنقد وليس إعلانًا لموتهما.
قد يظل اسم مؤلف أو مخرج مذكورًا في ذاكرة التاريخ على مدار السنين بعد موته، هل يحفظ التاريخ ذكرى الناقد وأعماله أيضًا كما يحدث مع الصناع؟
نعم، دون شك.. هناك أسماء كبيرة قدمت الكثير في هذا المجال في العالم، تَلْقى التقدير والتكريم في الأوساط السينمائية في العالم، ويمكنني أن أسوق لك قائمة طويلة منهم، ومن بينهم مثلًا ديفيد روبنسون وبينيلوب هيوستون في بريطانيا، إلى بولين كايل وروجر إيبرت في الولايات المتحدة، إلى أندريه بازان وميشيل سيمون في فرنسا.
أما عندنا في مصر، فهناك مبالغات كثيرة جدًا تُنشر عن دور نقاد لم يقدّموا الكثير في مجال النقد، أو كان لهم دور تاريخي وانتهى مبكرًا، ومن ناحية أخرى هناك اهتمام بالمجاملة وتكريم النقاد من أبناء المؤسسة.
أما الخارجون عن المؤسسة الرسمية، أي الذين ليسوا جزءًا منها، فمهما قدّموا، لن يَلْقَوا أدنى اهتمام أو تقدير. لكن التقدير يأتي أولًا وأخيرًا من القارئ لا من جوائز الحكومة.